[
img]
[/img]
عيد نوروز، القصة الكاملة:::::
مقدمة: لا تخلو حياة الشعوب على مر تاريخها من الانتصارات والأعياد كما لا تخلو من النكبات والمصائب أما الانتصارات فقد دونتها الشعوب وخلدتها للأجيال اللاحقة حتى منذ ما قبل إيجاد الكتابة بالنقوش والرسوم لكن في معظم الأحيان تم تدوين التاريخ بأمر من الملك أو حاكم الزمان لذلك ترى تاريخ الملوك طاغ على تاريخ شعوبها وبطولات الشعوب تحسب لحكامها أما الويلات والنكبات فيخلدها الجانب الآخر (المنتصر) وهكذا ... أما التعبير عن الانتصار و الانتصار هنا إما على العدو من البشر أو على الطبيعة باكتشاف أسرارها فكان يتم بإقامة الأفراح والولائم بحسب الطقوس والأعراف السائدة والتي تغيرت باستمرار بمرور الزمن أو بالاختلاط مع الآخرين.....
إذا كانت المراجع والوثائق الدينية قد حملت في ثناياها أحداث ومعتقدات تحولت إلى مناسبات و أعياد مثل الفطر والأضحى عند المسلمين والفصح والميلاد عند المسيحيين كأعياد دينية وإذا كان التاريخ الحديث قد لفت الأنظار إلى المقهورين في العالم بتحديد يوم لعيد العمال وآخر للمرأة في العقود الأخيرة كمناسبات وأعياد إنسانية وإذا كان التوق إلى الحرية قد حدا بالشعوب إلى طرد الاستعمار من أوطانها وإحياء ذكرى الاستقلال كل عام على شكل أعياد وطنية فان قصة نوروز وفي كل المراجع والروايات تحمل كل هذه المعاني التي تمس حياة البشر فالبطل في روايات نوروز هو عامل حداد والعدو طاغية متجبر والمكان بقعة واسعة من ارض المشرق والنهاية تتمثل في القضاء على الشر والأشرار وإحلال عهد الخير والازدهار وبزوغ فجر جديد .....
يحتفل الكرد بعيد نوروز منذ أزمنة غابرة ويعتبرونه عيدا قوميا وتقويم جمهورية مهاباد الكردية اعتبر يوم نوروز عيدا للشعب الكردي لكن شعوبا أخرى أيضا مثل الفرس والأفغان والطاجيك والبلوش التي تنحدر أصولها من هضبة إيران وحتى الاوزبك والقرغيز الذين ينحدرون من قبائل الهون تحتفل نوروز وهؤلاء جميعا لا يختلفون في تسمية وأهمية هذه الذكرى ولا يختلفون كذلك في توقيتها المصادف في الحادي والعشرين من شهر آذار كل عام كما لا يختلفون كثيرا في طريقة وطقوس الاحتفال وان كان إشعال النيران لدى الكرد بشكل خاص يعتبر ركنا أساسيا يسبق الاحتفال بالعيد ( ليلة العيد ) تروى قصة نوروز لدى كل قوم بحيث تخدم تاريخها وثقافتها ونهضتها على وجه التحديد ولكن لا احد يقدم وثائق تاريخية تبين واقعة اسمها نوروز محددة بالزمان والمكان مثل سقوط روما مثلا فكل ما يروى عن نوروز هزيل بعض الشيء ولا يرقى إلى مستوى حدث تاريخي موثق بالزمان والمكان كما أن الموضوع لم يلقى اهتماما من قبل الباحثين والمؤرخين وربما يعود ذلك لأسباب من بينها :::::
- تجنب الخوض من قبل المعنيين في بحث وكشف هكذا موضوع كونه لا يفضي إلى أحسن مما هو قائم في معتقد وثقافة الشعوب وبالتالي إبقائه عامل وحدة كما هو بين مختلف الفئات والتيارات.....
- عدم توفر مصادر تاريخية تجزم في نسب نوروز كحدث وقع في زمان ومكان محددين وكذلك الأسباب والنتائج التي أدت وتمخضت عنها رغم الأهمية الكبيرة التي أولتها وتوليها شعوب عديدة في المنطقة لنوروز حتى صارت من تراثها وثقافتها .....
- الإقرار ضمنا بان نوروز رواية ملحمية غير موجودة كحدث تاريخي أو قصة رمزية لحدث سياسي أو اجتماعي عظيم وقع بالفعل ولكنها مبسطة على قدر وعي وإدراك الناس في غابر الأزمان بغية استيعابها، وفي الرواية القديمة يمكن تبرير التناقضات الزمنية وتسارع الأحداث دون تمهيد فالأشخاص ولدوا مع بداية قصة نوروز وانتهوا بنهايتها كما هو الحال مع بطل الرواية نفسه ( كاوا).
يقابل عيد نوروز أول يوم في العام الشمسي الكردي (21 مارس) ويحتفل به الكرد. أصل كلمة نوروز هو من الأفستية وتتكون من nava يعني "جديد" وrəzaŋh أي "يوم" أو "ضوء الصباح" مما يعني يوم جديد (أو ضوء جديد) وهذه الكلمة لها نفس المعنى بالفارسية (نو=جديد + روز=يوم أي يوم جديد). و من الاعمال المحبوب عملها في نوروز والتي تعتبر من الطقوس الجميلة هي وضع سُفرة أو مائدة تتضمن 7 اشياء تبدأ بحرف السين (هافت سين)سير _ثوم..سكه_عمله نقديه سنجر_فاكهه مجففه..سبزي _خضره..سبيكه _سبيكه من الذهب..ساهون_حلويات.. سماق.. إضافة إلى مرآة وقرآن وسمك احمر وفاكهة ومكسرات.....
يُعتبر عيد النيروز من أقدم الأعياد التي يُحتفل بها ليومنا هذا، ويتشارك إلى جانب الكرد في الاحتفال به الفرس (النوروز) والآذاريين وأفغانستان (الطاجيك) والعرب والعديد من الأعراق الأخرى، وهو في نفس الوقت رأس السنة الكوردية الجديدة (2711)(2012).
ويقوم الكرد بالاحتفال بعيد النيروز بين 18-21 آذار من كل عام بالخروج إلى الطبيعة والتجمّع واحياء الفلكلور والرقصات الكردية واشعال الشموع على الشرفات وأسطح المنازل تيمّنا بنار "كاوا".
ويحمل لدى الكرد بعداً قومياً وصفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة التي تشير إلى ان اشعال النار كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين.....
قصة كاوا حداد، البطل الكردي، وروايات نوروز:::::
إنّ النسخةَ الكرديةَ للنيروز هي أسطورةُ (كاوا) الحداد الذي تشبه قصته القصّةِ في أسطورة الشاهنامة. الذي تقُولُ بأنّه في قديم الزمان كان هناك ملكُ اشوري شريّرُ سَمّى(الضحاك). كان هذا الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه. الشمس رَفضتْ إلشْروق وكان من المستحيلَ نَمُو أيّ غذاء. الملك (الضحاك) كَانَ عِنْدَهُ لعنةُ إضافيةُ وهي إمتِلاك أفعيين رَبطتا بأكتافِه. عندما كَانتْ الأفاعي تكون جائعة كَانَ يشعر بألمِ عظيمِ، والشيء الوحيد الذي يَرضي جوعَ الأفاعي كَانتْ أدمغةَ الأطفالِ. لذا كُلّ يوم يقتل اثنان من أطفالِ القُرى المحليّةِ وتقدم أدمغتهم إلى الأفاعي(كاوا) كَانَ الحدادَ المحليَّ قد كُرِهَ الملكَ مثل16 مِنْ أطفالِه الـ17الذين كَانوا قَدْ ضُحّي بهم لأفاعي الملكَ. عندما وصلته كلمةً ان طفلَه الأخيرَ وهي بنت، سوف تقتل جاءَ بخطة لانقاذها. بدلاً مِنْ أنْ يَضحّي ببنتِه، ضَحّى (كاوا) بخروفِ وأعطىَ دماغَ الخِروفَ إلى الملكِ. الإختلاف لَمْ يُلاحظْ. عندما سمع الاخرون عن خدعة (كاوا) عَمِلوا جميعاً نفس الشئ، في الليل يُرسلونَ أطفالَهم إلى الجبالِ مَع (كاوا) الذين سَيَكُونونَ بامان. الأطفال ازدهروا في الجبالِ و(كاوا) خَلق جيشاً مِنْ الأطفالِ لإنْهاء عهدِ الملكِ الشريّرِ. عندما أصبحت اعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية، نَزلوا مِنْ الجبالِ وإقتحموا القلعةَ. (كاوا) بنفسه كان قد إختارَ الضربةَ القاتلةَ إلى الملكِ الشريّر(ِالضحاك). لإيصال الأخبارِ إلى اناسِ بلاد ما بين النهرينِ بَنى مشعلا كبيرا أضاءَ السماءَ وطهّرَ الهواءَ من شر عهدِ (الضحاك). ذلك الصباح بَدأَت الشمسُ بإلشروق ثانيةً والأراضي بَدأَ بالنَمُو مرةً أخرى. هذه هي البِداية "ليوم جديد" أَو نيروز (نه?وروز) كما يتهجى في اللغةِ الكرديةِ.....
وسنورد موجز بعض الروايات التي عرف بها نوروز في أوساط الشعب الكردي وقد يكون هناك روايات أخرى نجهلها أهم واقرب إلى روح نوروز
الرواية الأولى: كان ملك الزمان - الملك الضحاك - ظالما متجبرا وكان قد ظهر على منكبيه نتوءان قبيحان يشبهان راسي حنشين! عجز أطباء الزمان عن استئصالها فاضطروا إلى دهن كل نتوء بمخ إنسان كل يوم مما أدى إلى ذبح شخصين كل يوم من بين الرعية، ومع الزمن دب الرعب بين الناس فهجروا البلاد إلى الجبال والوديان ثم ثار فيهم (كاويان( الحداد واجتمع حوله الناس، وثاروا على الملك الضحاك وكان هذا عيدا.....
الرواية الثانية: إن ازدهاك أو زحلق قد قتل الملك (جم شيد) العادل وحل مكانه لكن الطبيعة عاقبته فابتلي بداء عجيب عجز عن شفائه الأطباء حتى تدخل الشيطان بان وصى بمداواة مكان المرض بمخي شابين كل يوم وهكذا حتى رئف كل من ارمائيل وكرمائيل، الذين كانا مسؤولين عن إحضار الأدمغة البشرية ودهن مكان الوجع بها فبدؤوا باستبدال الأدمغة البشرية بأدمغة النعاج وترك الشباب للهروب إلى الجبال وهنك تجمعوا وتكاثروا ليشكلوا فيما بعد بداية النسل الكردي إلى ظهور فريدون الذي قضى على زحلق وهنا يقارن اسم ((كاوا)) ب(( فريدون )) على أن كليهما وقع ضحية الملك فوالد فريدون وابن كاوا الحداد كانا من بين الذين قطعت رؤوسهم ..فيقومان بتحريض الناس وقيادتهم إلى الثورة على السلطان المتجبر – الضحاك – ثم ربطه بالسلاسل وجره إلى جبل(( دنيا وند)) حيث مات ميتة بطيئة شنيعة..ثم تعود الناس إلى العمران والمدن وتبدأ الحياة من جديد، وان نوروز ما هو إلا اليوم الذي حمل فيه الجن الملك جمشيد إلى برج الحمل وقت حلول الشمس في أول يوم من السنة.....
الرواية الثالثة: إن الملك الضحاك كان ذو طباع شاذة وكان يميل إلى الفسق والفجور حتى أصيب بمرض شاذ تأتيه على شكل نوبة فلا ينام ولا يهدا حتى يأمر بإحضار فتاة من بنات مملكته فيجامعها ثم يقتلها ليهدا من بعده... فدب الذعر والخوف إرجاء المملكة واضطر الكثير من الناس إلى ترك المدينة والفرار ببناتهم إلى الجبال... يأتي الدور على ابنة الحداد كاوا واسمها نوروز فترفض ويرفض الحداد ثم يلجا إلى الدهاء والحيلة فيرتدي لباس النساء ويدخل على الملك الظالم ويقتله بمطرقته ثم يشعل النيران معلنا الخلاص من الظالم وداعيا جموع الفارين إلى العودة.
الرواية الرابعة: المكان مدينة باشا ر في القرن الثامن عشر قبل الميلاد حيث مات الملك العادل يا شار وخلفه ابنه بختك الذي لم يكن نسلا صالحا بل كان مهووسا بالملك والجبروت فأصابه نوع من الجنون وصارت تتراءى له العفاريت والجن طوال الليل .. كان يخشى الانفراد ويأمر حاشيته بالسهر طوال الليل حتى ساءت حالته وانتشر خبره، العفاريت تهاجم الملك !! تدخل كاهن معبد النار وكان داهية وخبيثا أراد الإيقاع بين الملك والرعية للاستيلاء على الحكم فعرض على الملك طريقته في العلاج وتتلخص طريقته في تحدي العفاريت بارتداء لباس العفاريت نفسها والخروج ليلا لاصطياد الشبان من ذوي الحرف والصنعة ( نجار حداد حايك ..العفاريت.بة المجتمع و إخراج أدمغتهم وتناولها وهكذا كل يوم الكاهن والملك يترافقان في صيدهما اليومي وفي كل ليلة ضحية جديدة وشاب جديد مقطوع الرأس في أزقة المدينة.. العفاريت .الملك. ..يقتل الشبان !! شاع سر الملك والكاهن لكنهما ذات ليلة هاجما معا دار الأخوين (نافدا ر )الحداد و (كهدار) الحايك وقتلا كهدار وما كان لناف دار إلا أن يثار لأخيه، فتمكن من حشد الناس وقد ساعده في ذلك صدقه وصنعته النادرة فشكلوا جيوشا شنت الهجوم على قصر الملك فقتلته والكاهن ونصبت نافدا ر ملكا فأشعلت النيران للدفء و الإنارة، ثم سمي الملك ب (كاوا ) ! أو خوشناف .
الرواية الخامسة: يعتبر نوروز اليوم الأول من العام الشمسي ويوم التاسع من آذار حسب التقويم اليوناني – انتفض الكرد تحت راية كاوا الحداد ضد البادشاه ضحاك الذي ألقي في النار لأنه كان ظالما، وبعد حرق البادشاه نصب على العرش ملك جديد باسم فريدون الذي عم في عهده الحرية والخير والازدهار.
الرواية السادسة: من المعروف أنه في الألف الأخيرة قبل الميلاد كانت بلاد الرافدين تحت سيطرة الآشوريين وكانت إمبراطوريتهم في أوجها مترامية الأطراف من بلاد الشام وحتى آرارات، وعلى التخوم الشرقية والشمالية الشرقية كان ثمة الميديين، وتخومها الجنوبية الأكاديون، وكان الآشوريون يتسمون بوحشية في معاملة الخصم قساة على القبائل والشعوب المجاورة كسلخ جلود الناس وهم أحياء أو قطع رؤوس من نزل بهم العقاب حتى على مرأى من الأمهات و غدا السلطان الآشوري كابوساً جاثماً على صدور الناس والشعوب الخاضعة لسلطانهم، وحتى المجاورين لبلادهم، إذ كان للآشوريين حملات موسمية ضد الميديين في الشمال ينهبون ويحرقون، وفي عام 612 قبل الميلاد تمكن الميديون في عهد الملك (كيخسارو) من عزل الآشوريين عن قبائل جنوب روسيا وتحالفوا مع الكلدانيين للقضاء على الآشوريين وضرب (نينوى) وفي ربيع ذلك العام وجه الميديون فيضانات نهر دجلة المعروفة في بداية فصل الربيع صوب أسوار المدينة فأصابها الغرق واخترقتها جيوش الميديين (آريانا) وقضوا على عرش الآشوريين..ويقال أن ملكهم (شراكو) كان قد أحرق نفسه وأسرته وقصره لكي لا يقعوا أسرى بيد الميديين الذين أعلنوا سقوط (نينوى) يوم الحادي والعشرين من آذار 612 قبل الميلاد واحتفلوا بالنصر الذي كان كبيرا بقدر ما عانوه من ظلم كبير، وتأسست على إثرها مملكة (ماد) أو((مادستان)) ويقال أن (مادستان) تأسست على أراضي (كردستان ) الحالية تقريباً وأن الميديين هم أجداد الكرد.
نوروز، في ثقافة الكرد طريق للنضال، وعيد للقومية والنضال:
نوروز تثير مشاعر الكرد أينما كانوا.. فتزيل غمامة الحزن من النفوس لتصقلها وتبث الوهج في الوجوه لتجددها و تشحذ الهمم وتوقظ نشوة الانتصار الذي تم منذ عصور خلت... تجسد حاجة الإنسان إلى الطبيعة ولجوئه لها كلما ألمت به الشدائد فيفضي لها بسره ويشكو لها ظلم الظالمين في الأرض لتلهمهم هي من صمتها الصبر ومن جمالها حب الحياة ومن ديمومتها المقاومة والتجديد، انه نوروز العيد القومي للأكراد .
رأي وتحليل:
إن التمعن في معاني (نوروز) وفي ما روي عنه وبقائه حيا في ذاكرة ووجدان الأجيال المتعاقبة منذ آلاف السنين واشتراك شعوب عديدة في الاحتفال به سنوياً يوحي بأنه ثمة حدث هام جدا قد وقع وربما غير حياة الناس ...أو حاجة ما انتظرتها الشعوب مثل انقلاب أو ثورة في ذلك الزمان ملبية رغبة ملحة أو حاجة حياتية أو شيء كهذا أو أن ينتظر الإنسان حدثاً ما ثم يحدث بالفعل، أو في فترة الانتظار حيث يتخيل المرء شكل الحدث المرتقب ونتائجه وتأثيره ولحظة البداية وهكذا.
و((نوروز)) سواء كانت حقيقة أم خيال أدبي على غرار (غلغاش) أو سيمفونية (نينوى) القديمة فإنها جاءت تعبيراً عن متطلبات واقع معيشي ما في زمان ما ومكان ما، وفي كل الروايات ثمة مشتركات هامة وهي وجود حاكم ظالم وشعوب مقهورة وبروز بطل مغوار من بين صفوف الشعب يعتمد على الشجاعة والحكمة لينقل الناس إلى عهد جديد ويبدأ عهد الخير والأمان.
ولكن معظم الروايات المعروفة عن (نوروز) تبقى هزيلة لا يقبلها المنطق العلمي ..ويرجح أن تكون الروايات عبارة عن نسج من الخيال الأدبي كتعبير عن حدث عظيم مثل سقوط (نينوى) مثلاً وما كان للحدث من أهمية في حياة شعوب المنطقة كافة آنذاك....أحاطها الأدباء والفلاسفة والرواة بهالات من التبجيل والتضخيم، ربما لجعلها أقرب إلى وجدان الناس ومستوى الوعي السائد آنذاك، وما للجانب الروحي من أثر في حياة الناس، وربما لكي تبقى خالدة تتناقلها الأجيال؟!
لم تأتي رواية تاريخية بهذا الاهتمام أبداً من فراغ وإنما ثمة بالتأكيد نقطة مركزية يشكل الأساس الذي بنى عليه الناس فيما بعد قصصا محاطة بهالات وظلال وخيالات، فسقوط (نينوى) على يد الميديين عام 612 ق.م وما كان للحدث من أهمية آنذاك في حياة الشعوب لا بد وأنها أحدثت تحولا اجتماعيا واقتصاديا، حيث انزاح الكابوس الآشوري وزال الرعب الذي كان جاثماً على صدر الشعوب، وانتهت وحشية الإنسان ضد الإنسان التي هي أكثر ضراوة من وحشية الوحوش نفسها، وما عرف به الآشوريون من بطش وتنكيل وتمثيل بالخصم والضحايا !؟ ومن الممكن أن تتحول سقوط آشور إلى مادة ينسج منها الحكماء والأدباء رواية مثل نوروز .
كان يكون (كاوا) مثلاً اسماً لقب به الملك (كيخسرو) الذي الذي قضى على الحكم الآشوري و الذي اهتم بمهنة الحدادة وجعلها حرفة هامة لتطوير أدوات الحرب والزراعة بتحويل المعادن القاسية بواسطة النار كناية عن ندرة من في شجاعته و عظمته بعد أن تعهد ببداية عهد جديد ويوم جديد, و( ازجدها ) تسمية أطلقت على الطاغوت الآشوري . وحكاية الثعبانين في رأس الملك إنما عبروا بها عن ظهور عدوين اثنين للملك الآشوري الذي سمي ب ( ازجدها ) لشره ومكره و هم الميديون في الشمال والكلدانيون في الجنوب ، والبحث عن الدواء عبروا بها عن محاولة الآشوريين للإيقاع بينهم وتحريض قبائل جنوب روسيا ضد الميديين، وانتهى الظلم الآشوري ليلة الحادي والعشرين من آذار عام 612 ق.م وتحولت المدينة إلى عرس حقيقي أشعلت فيه النيران للإضاءة والدفء و كذلك كنوع من الامتنان للرب والتقرب منه...وما للنار من مكانة هامة في ثقافة ومعتقدات شعوب المنطقة فأمضت الشعوب ليلتها محتفلة بالحدث العظيم ....ثم أمست تقليداً سنوياً ...وكذلك مادة تستوحي منها الناس الحكايات والأساطير وتراث الشعب الكردي غني بمثل هذه الملاحم والحكايات!ْ
لماذا للأكراد أكثر من غيرهم ؟
- بفرض أن ما قلناه آنفاً هي الحقيقة، وأن الميديين هم الذين سطروا هذه الملحمة وأنهوا تاريخ حقبة سوداء في تاريخ المنطقة فسيحق للأحفاد أن يفتخروا بمآثر الأجداد .
- الظروف السائدة في كردستان حالياً من قهر واضطهاد تتشابه إلى حد ما مع ما قبيل (نوروز) و( EJDIHA) لا زال موجوداً وإن كان في عصر العولمة ..! والأنظمة التي تحكم كردستان لا زالت تمارس الظلم والاضطهاد والاعتداء والمطلوب لا زال (نوروز) جديد.
- المسميات في رواية ((نوروز)) مستمدة على الأغلب من اللغة المادية أو اللهجات الكردية....
- فكلمة (EJDIHA) هي كلمة كردية وتعني التنين أو الحنش ويرمز بها إلى الخبث و الشر والطغيان وعند الكتابة بالأحرف العربية واللغة الكردية وبسبب عدم وجود حرف موازي ل (J) اللاتينية في العربية كتب حرف ( ز) ( ازدها ) ونطق ال(ز) بالكردية يقصد بها حرف ال(الضاد) في العربية وكذلك الحاء والهاء وربما أثناء الترجمة إلى العربية وتدوين الرواية برزت هذه الثغرة فحورت الكلمة لتصبح ازدها اضدها أو الضحاك !. مثلاً فكلمة (فرض) بالعربية تلفظ( فرز) بالكردية وكذلك قضاء= قزا وكذلك رمضان= رمزان ثم أن الضحاك يعني الذي يُِضحك كثيراً فأين هذا من مضمون الرواية ...!؟
- عبارة (( نوروز(( أو (NU- ROJ )هي من الأسماء المركبة في اللغة الكردية على غرار ( خوشناف ) مؤلفة من كلمتين( NU ) ويعني الجديد و ( ROJ ) ويعني اليوم والكلمة كاملة تعني اليوم الجديد وليس له معنى بلغة أخرى أقرب وأدق من معناها في اللغة الكردية . و كلمة النيروز التي ترد في بعض المراجع العربية أضحت دلالة على العيد والاحتفال والابتهاج... وتنسب أصلا إلى العيد الكردي نوروز.
)) فيوا )) أقرب إلى اسم استفهام باللغة الكردية أو بمعنى سؤال كا – وا ؟ ويعني أين ذاك ؟ (( فيتأتي كلمة ((KA- WA ! في بعض لهجات اللغة الكردية للإعجاب والتأكيد وندرة المِثل كأن تقول الناس((KA WA MERE MERXWAZ)). وتعني أين ذلك الرجل الشجاع ويقصد هنا أين من في شجاعة ذلك الرجل ! أما اسم فريدون الذي يرد في بعض المصادر الفارسية فيدخل على الرواية دون مبرر لغوي أو تاريخي وربما كان من أصل الكلمة الإنكليزية (FREEDOM ) بمعنى الحرية أو التحرر أو الانعتاق من جور الملك الظالم أي العيد أو الحرية أو نوروز وليس اسم علم لشخص وبالتالي ليس اسم البطل... وربما تكون مثالا على محاولات تشويه التاريخ الكردي من قبل حكام وساسة ومؤرخي الأمم الأخرى...
- (النار) للنار مكانة هامة في تاريخ الشعوب الآرية والشرقية عموماً والشعب الكردي بشكل خاص فيرمز به إلى النور و يستخدمونه للاهتداء وللدفء والتقرب من الرب ف زرادشت حين وحد بين إلهي الخير والشر في شخصية الإله الواحد عبر عن ذلك بإشعال النيران و الميديين هم أول من استخدموا السهام النارية في حروبهم ضد الأعداء وذلك بعد طلائها بالزيت والنفط ورميها بسرعة معينة، ويرمز بالنار بالغة الكردية إلى النشاط والحركة
((FILAN KES AGIRE SORE)) بمعنى فلان نشيط وسريع كاللهب في الحطب اليابس .. كما يرمز به إلى الحزن واللوعة ((MIRINA FILAN KES AGIRE)) بمعنى أن موت فلان احرق قلبي مثل النار, حتى أن موقد النار في البيت الكردي كان يتميز عنه في البيوت الأخرى فيجد الجالسون حوله متعة في تحريك الجمر والحطب....وكذلك الرماد .
طقوس نوروز عند الكرد :
نوروز.. في ثقافة الكرد هي مأثرة قومية ومعلم إنساني يجسد شموخهم في وجه الظلم الذي لم يبرح حياتهم بعد وتحديا متجددا في وجه الظالمين، نوروز هي دعوة للالتقاء واللقاء ورمز لانتصار الحق على الباطل .وبداية لعهد الخير والحرية و بالازدهار في ربوع المنطقة وعبر القرون والأجيال ترسخ نوروز في عرف وثقافة الشعب الكردي وتحول إلى كرنفال سنوي يجسد حب الكردي للطبيعة وشوقه إلى الحرية وحاجته للقاء الناس والخلان على دفئ شمس آذار في الحادي والعشرين من كل عام ..
يستعد الكردي للقاء نوروز منذ مطلع آذار فيشرق وجهه ويطيب لقياه ويتدفق الدم في عروقه كما يتدفق النسغ في أغصان النبات ليورق ويزهر , ينشغل الأطفال والشباب بتحضير ملابس العيد والكبار يدعون السماء أن تمطر خيرا كل يوم وتنقشع الغيوم يوم نوروز لتشرق الشمس ويطيب العيد ..
يوم العشرين من آذار وبعد مغيب الشمس تجري العادة أن يتسلق الشبان والشابات الجبال والوهاد والروابي في القرى والأرياف الكردستانية ويشعلون النيران في الأمكنة المرتفعة والمرئية للناس الذين يخرجون بدورهم إلى الشرفات والمصاطب والساحات لمشاهدتها إيذانا بقدوم نوروز ومن أراد لفت الانتباه أكثر ابتعد وتسلق إلى القمم أو كتب بالنيران كلمة يعشقها الكرد مثل: ازادي = الحرية , كردستان , نوروز، أما في المدن الكبيرة أو تلك التي يقطنها الكرد إلى جوار شعوب أخرى فقد ارتأت المراجع الكردية وخلال السنوات الأخيرة أن يتم إشعال المشاعل أو الشموع في الأماكن المرئية أو الخروج بها إلى الشارع أو السير بها ارتالا متناسقة لتبشير الناس بقدوم نوروز وذلك اتقاء مما قد تسببه النيران وعبث الأطفال من حرائق أو آثار تسيء إلى نوروز و المحتفلين به .
يوم الحادي والعشرين ومنذ الصباح يتغلغل القرويون عبر الدربونات إلى أماكن التجمع والاحتفال بجانب الأنهار والسواقي وعلى سفوح التلال حاملين زاد النهار وما طاب من أكل وشراب وكلام ... أما في المدن الكبيرة فقد اتخذت الناس أمكنة محددة يجتمعون فيها بعشرات بل بمئات الألوف حيث العروض الممتعة من الرقص والأغاني والأناشيد الكردية الشجية والدبكة ذات الحركات المتناسقة التي تلتف حول الطبل والزرنة حلقات وحلقات و التي تحكي قصة نوروز والكرد ويدوم ذلك حتى مغيب شمس العيد يوم الحادي والعشرين من آذار تكون الناس قد تصافحت وتبادلت التهاني بالعيد وشاهدت العروض الفنية، ثم تعود الجموع إلى مآويها لتتحدث عن يوم جميل آخر قد مضى حافل بلقاءات الأحبة مفعم بالأمل ويظل الأطفال من بعده أياما ينشدون أغاني العشق والحرية التي سمعوها يوم العيد ويظل الكرد ينتظرون من جديد كاوا، نوروز، وشعلة الحرية..... {منقولة}[/color][/size][/center]